العدالة الاجتماعية
وحقوق العمال
1 - العمل ميزان تقدم الأمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، أما بعد
فمع انقضاء كل عام يتذكر العالم العمال ، هؤلاء الكادحين الشرفاء المنسيين ، الذين أولاهم الإسلام كل رعاية وعناية ، وأعلى من قيمة العمل ، في مواقف أوضح من الشمس ، لا لبس فيها ولا غموض ، فالعمل ميزان تقدم الأمة ، ومهارة إتقانه هي مقياس حضارتها ، والوفاء بأدائه هو غاية الإصلاح الاجتماعي ، يقول أكمل العاملين صلي الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) .
وحض الإسلام على العمل ، وجعل الإنتاج عبادة ، بل جهاداً في سبيل الله : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) التوبة 105 ، وأكد على حماية الدولة لحقوق العمال ، وإعطاء كل عامل على قدر ما يستحق من مهارة واتقان ، يقول تعالي : ( ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ) الأحقاف 19 ، ويقول تعالى : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعي وإن سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الأوفى ) النجم : 39 / 41 .
رضى الله عن عمر الحاكم العادل وهو يقول : ( إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول : هل له حرفة ؟ ، فإن قالوا : لا ، سقط من عيني ) ، فقد علّم النبي صلي الله عليه وسلم الأمة ذلك في قوله : ( طلب الكسب فريضة على كل مسلم كما طلب العلم فريضة ) .
2 - الإسلام رفع شأن العمل والعمال
فمنذ أول وهلة من بزوغ الإسلام ، وقد وضع شروطاً للعمل ، من إتقانه على المستوى الفني والعملي ، ومن عدم الغش لأنه يلحق الضرر بالأفراد والمجتمع ، ومن الوفاء بالعهود بلا كذب ولا خداع ، يقول صلي الله عليه وسلم : ( اليمين الفاجرة منفعة للسلعة ممحقة للكسب ) .
هذا الارتقاء والسمو عمل على تطور الحركة الصناعية والحرفية ، وبعد أن كان ينظر إليها نظرة ازدراء ، هاهو خير من عمل صلي الله عليه وسلم يقلب هذه المفاهيم رأساً على عقب ، ويذهب إلى أصحاب المهن ، ويلبي دعواتهم ، مخالفاً العادات البالية .
ومنذ ذلك الحين ارتفع شأن العمل والعمال والحرفيين بوجه عام ، وعلى مدي العهود الإسلامية ، وفرت الدولة المواد الخام الزراعية والصناعية ، واهتمت بالعمران في المدن ، وازدهرت الصناعات اليدوية ، وعملت على تنمية مهارات العامل وخبراته ، ومازالت شواهد التاريخ تنطق بذلك .
كما سمحت الدولة بإقامة الروابط العمالية التي تكفل لهم الحماية ، وأطلق عليهم أصحاب المهن ، وأطلق عمر عبارته الشهيرة : ( ويل لديان الأرض من ديان السماء ) ، ومن ثم انخرطوا في العمل الشعبي ، ومارسوا كامل حرياتهم .
3 - نظرية إجتماعية متكاملة
ثم أتي حين من الدهر على البشرية ، سرى فيها الانحطاط السياسي ، والارتفاع في الأسعار ، وقلة الأجور ، واحتكار المواد الغذائية ، فانتشر الفساد والنهب واللصوصية ، فانتبهت الأمة إلى إسلامها ، فقدمت للبشرية المعذبة في كل مكان ، نظرية اجتماعية متكاملة ، هي التي تحقق لها العدالة الاجتماعية ، وتحمي العمل وترفع من شأن العمال .
لقد تخبطت البشرية وهي تجتهد في نظريات ، كلها كانت تدور حول فكرة العدالة الاجتماعية ، من توفيق الأجر مقابل العمل ، أو الصراع الطبقي ، أو التلفيق بين الأمرين ، فلا هي أعطت صورة واضحة عن العدالة الاجتماعية ، ولا قدمت بسهولة أساليب تحقيقها.
ففي الوقت الذي تباهي اليوم فيه أمريكا بنظامها الرأسمالي ، مدعية أنه محراب العدالة الاجتماعية ، نري تراكم الثروة في طرف وحرمان طرف آخر ، وفي ذلك يقول الخبراء : ( أفقر فقراء العالم اليوم يعيشون تحت ظل النظام الرأسمالي الأمريكي ، وأغني أغنياء العالم يعيشون على أرض نفس النظام ) .
ولذا فقد بات من أكثر النظم الاجتماعية ظلماً وإجحافاً بحقوق العمال المادية والمعنوية ، وإن حوت بنود اتفاقياتهم - والتي أطلقتها أمريكا منذ أكثر من نصف قرن - كلمات براقة ظلت حبيسة هذه الاتفاقيات ، من : نشر السلام والأمن ، وتشجيع وتعزيز الديمقراطية ، ومنع أسباب المشكلات المحتملة ، وتوفير فرص العمل ، واستئصال الفقر الشديد